في مناسبات عدة أكد معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، للعالم أجمع؛ بأن الإسلام هو دين العدالة الإنسانية، الذي يحافظ على قيمها الراقية في التعامل والتكامل، ويقف مسافة واحدة في ميدان العدل وساحة القضاء، فلأن الكل في ميدان البشرية متساوون، والفضل بينهم هو تقوى الله تعالى، فلا معنى لألوانهم أو أجناسهم أو أعراقهم أو ثرواتهم.

وانطلاقا من الإيمان العميق بقيمة نصرة المظلومين في العالم، والوقوف معهم، ومواساتهم، أيا كانت أعراقهم وأديانهم ومعتقداتهم، انبثقت تصريحات معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي حول الهولوكوست، عقب زيارة له لمعسكر الإبادة والمحرقة الجماعية، في أوشفيتز ببولندا، -ضمن جولة دولية في عدد من المواقع التي تعرضت للظلم والاضطهاد.

ولقد تعرض اليهود والقلة الذين كانوا معهم من المسيحيين والمسلمين في هذا المعسكر لواحدة من أبشع صور الظلم والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية،.... وبمنظور الإسلام وعدالته الإنسانية فإنه لو أُحرِق أو قتل إنسان واحد في هذا العالم، يعتبر ذلك جريمة ضد الإنسانية، قال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا﴾.

إن معالي الأمين العام نظر بعين الأسى إلى تلك الذكريات المؤلمة التي عانى منها الأبرياء من مختلف الأديان على يد النازيين، وقد كان لليهود النصيب الأكبر من هذه المذابح، وهو ما استدعى تخصيصهم بذكر ما تعرضوا له من أحداث مؤسفة، بسبب عقيدتهم، وضيق أفق النازية الحمقاء، وتعجرف مؤسسها الأهوج (هتلر) الذي أشعل العالم حروباً ومآسٍ، ففتك وحرق الملايين من اليهود...

لقد صرح معاليه بأن الهولوكوست كانت من أبشع الجرائم الإنسانية، فهو يدينها ويدين أمثالها من المذابح الأخرى التي ارتكبت على مر التاريخ  ضد الإنسانية، بمختلف طوائفهم وأديانهم وأعراقهم.

إن مواقف معاليه من هذه الجرائم المرتكبة تعكس بكل وضوح حقيقة أن رابطة العالم الإسلامي لم تتوان أبداً في التنديد بكافة أساليب الاضطهاد والظلم والمعاناة في كل بقعة من العالم، ولها في هذا الجانب العديد من البيانات والتصريحات والمؤتمرات المعلنة والمشهودة.

لقد أرست الرابطة بهذا الحضور العالمي معايير عدالة الإسلام ومنطقه السامي الرفيع الذي بموجبه عرّف الناس حقيقة هذا الدين النقي الصافي ، وتنبهوا إلى خطر العواطف المجردة عن الوعي والمنطق والعدل.

وقد لقي هذا التصريح لمعاليه صدى واسعاً في جميع الأوساط السياسية والاجتماعية والإعلامية، وقوبل بتأييد عريض في جميع أنحاء العالم، وأشادت بها كبريات الصحف العالمية ووسائل الإعلام المختلفة، فتصريحات معاليه في هذا السياق دعوة إلى ضرورة مواجهة الحواضن المشجعة على الكراهية والتطرف، وتؤسس لدور الشعوب الواعية التي تمثل منظومة العلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير في محاربة الكراهية التي سببت الكثير من المآسي وأوقدت الكثير من الحروب.

وإذ أشيد وأثمن هذا الموقف من معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، فإني أعتبره امتدادا للمنهج المتجدد الذي دأب عليه معاليه، في سعيه إلى تحقيق الأهداف الإنسانية السامية التي شرعها ديننا الإسلامي الحنيف، وهو جهد في توضيح عدالته الإنسانية، ونشر قيمه الوسطية، الداعية إلى التعايش السلمي، والتعاون الثقافي والحضاري بين الشعوب، وترسيخ لقيم العدالة الإنسانية في المجتمعات؛ وبذلك تتحقق مطالب أتباع الأديان والشعوب المختلفة، مسلمة وغير مسلمة.

فشكراً لمعالي الأمين العام على إجلاء ما علق في الأذهان وترسّب في الأفكار، فقد أمطتَ اللثامَ حول كثير من المواضيع التي كان يلفها ضباب عدم الفهم، وصححتَ كثيراً من المفاهيم الخاطئة، وأظهرت موقف الإسلام من الجرائم الإنسانية أيا كانت، وعلى مَن وقعت، فقد كنت سديداً في رأيك، جريئاً في طرحك، موفقاً في تصريحك، يحدوك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾... نفع الله بكم الإسلام والمسلمين، والله من وراء القصد.