في افتتاح مؤتمر الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشريعة الذي ينظمه المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة في 20/6/1438هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة.

سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي المملكة، ورئيس المجلس الأعلى للرابطة.

فضيلة الدكتور صالح بن زابن المرزوقي، الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي.

ضيوفنا الكرام:

سلام عليكم ورحمة من الله وبركات، تحيةً طيبة يسعدني أن أحييكم بها، مرحّباً بالحفل الكريم في رحاب رابطة العالم الإسلامي، ومنوهاً بأهمية الموضوع الذي اختاره المجمع الفقهي لهذا اللقاء؛ فإن العصر الذي نعيش فيه عصر التجاذبات الفكرية والاستقطابات الثقافية من كل لون، والافتتان بالتطورات والتغيرات التي تستهدف كل شيء في حياتنا، وتهدد أعز وأقدس ما نملك، وما يعطي حياتَنا مغزاها، إسلامنا الذي ارتضاه الله تعالى لنا، وأكمله وأتم به النعمة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة/3]. إنه الدين الذي لا يقبل الله غيره: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾[آل عمران/19]؛ ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران/85].

ومن أهم ما برز في تطورات الحياة الاجتماعية والمدنية في الغرب، وكانت له أصداء قوية في عالمنا الإسلامي، لاحتدام الجدل حوله، موضوع الحرية الشخصية، وأهم ما يتجلى في جوانبها حريةُ إبداء المعتقدات والأفكار المختلفة، والتعبير عن الرأي بشتى فنون التعبير، وفي مختلف الوسائل التي توصل الإنسان إلى المجتمع والرأي العام، كالتأليف والإعلام والفن.

فهناك أصوات شاذة عن نهج الاعتدال، لا تفتأ تطالب بإطلاق العِنان للناس ليقولوا ما شاءت لهم أهواؤهم، ويدعوا لما شاءوا من الملل والنحل والمذاهب الفكرية، والمظاهر السلوكية مهما شذت واستهجنت في الشرع أو الطبع.

ولا ريب في أن الحرية قيمة من أهم القيم الإنسانية، وأن أشقّ ما يتعرض له الإنسان في حياته، أن تصادر عليه حريته، وأن تصير تصرفاته وقراراته بيد غيره، أو تكون مرتهنةً للقيود والرقابة، فيجبر على أن يقول أو يفعل ما لا يريد، أو يمنع أن يقول أو يفعل ما يريد.

غير أننا نجد لدى التأمل أن الحرية إذا أطلقت على عواهنها، حولت الإنسان إلى مصدر أخطار وفوضى تهدد المجتمع برمته؛ فلن تجد في العالم مجتمعاً ينعم بالنظام والأمن، إلا وحريات الأفراد فيه منضبطة بقواعد تقتضيها المسؤولية الاجتماعية، والتوافق مع مقتضيات الأنظمة التي تحكم الدولة، وتنظم شؤون المجتمع على وجه يضمن العدالة ويحقق الأمن والاستقرار.

 وكل مجتمع له الحق والسيادة الكاملة في الاستناد إلى خصوصياتها الثقافية في تكوين مرجعية عليا لمنظومتها القانونية، ومما تتميز بها المجتمعات المسلمة أن للدين أهمية مركزية في توجيه السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية، وهو مصدر قيمها الخلقية والاجتماعية ومقياس مُثلها العليا. والإسلام ليس قاصراً على الشؤون الاعتقادية والتعبدية، بل هو نظام شامل للحياة، يمدها بمبادئه وأصوله التشريعية في مختلف المجالات. فلا يصلح حال المسلمين إلا على أن تكون دساتيرهم أو أنظمتهم التأسيسية، مستلهمة مما انطوى عليه الكتاب والسنة، من قواعد كلية وأصول عامة، وأن لا تكون الأنظمة الفرعية في شيء منها متعارضة مع محكمات الشريعة وثوابت الإسلام.

وبهذه الخصوصية التي تعطينا هويتنا، وتحفظ لنا مكانتنا الحضارية بين الأمم، نتعامل مع مفهوم الحرية إنْ في تصورها أو تطبيقها، بمعاييرنا الإسلامية، وضمنَ منظومتنا الفكرية وسياقنا الحضاري؛ فحرية التعبير أو غيرها من الحريات الشخصية، لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون مسوغاً لإسقاط الاعتبار لقيم المجتمع وثوابته، ولا لضرب خصائص الأمة وأخلاقها ومرجعيتها الأساسية، والاستخفاف بالمقدسات الإسلامية، والأحكام الشرعية الثابتة؛ فإنها إذ ذاك تشكل تهديداً غير مباشر للأمن والاستقرار في المجتمع المسلم.

وأملنا في هذا المؤتمر أن يسفر عما يرجى منه من نتائج تعزز الأمن الفكري للأمة، وتسهم في تبديد ما يثار من الشبهات حول موقف الإسلام من الحقوق والحريات، ومن أبرزها حرية التعبير، في خضم التحولات المتسارعة والانفتاح الواسع على الثقافات والأفكار، وما يستتبعه من انتشار الدعوات المنحرفة عن جادة الحق والهدى الذي جاء به الإسلام. وأن تركز نتائج المؤتمر على إيضاح العلامات الفارقة بين الحرية التي كفلها الإسلام، وربطها بكرامة الإنسان، وما تقتضيه من التزامات ومسؤوليات تجاه الآخرين، وبين الفوضى والانحلال من قيود الأخلاق والقيم المجتمعية، والعبث بالأمن الفكري للأمة والمجتمع.

أيها الإخوة:

إن رابطة العالم الإسلامي ومجمعها الفقهي والجهات المتعاونة معها، لترفع شكرها الجزيل إلى خادمِ الحرمين الشريفين، الملكِ سلمان بنِ عبد العزيز آلِ سعود، سدده الله وأيده، وإلى وليِّ عهده الأمين صاحبِ السمو الملكي الأميرِ محمد بن نايف بنِ عبد العزيز آلِ سعود، وإلى ولي وليّ العهد صاحبِ السمو الملكي الأميرِ محمد بن سلمان بن عبد العزيز آلِ سعود، على الرعاية الكريمة لهذا المؤتمر، ولمختلف مناسبات الرابطة، وتشجيعها ودعم مناشطها، انطلاقاً من المنهج الذي تسير عليه المملكة في خدمة الإسلام والدفاع عنه، والاهتمام بقضايا الأمة وشؤون المسلمين المختلفة.

والشكر موصول لصاحب السمو الملكي الأميرِ خالد الفيصل أميرِ منطقة مكة المكرمة، على اهتمامه المتواصل بالرابطة ومناسباتها، وتفضله بافتتاح هذا المؤتمر نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.

ولسماحة الشيخ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الله آلِ الشيخ المفتي العام للمملكة، ورئيسِ المجلس الأعلى للرابطة، ولأصحاب المعالي والفضيلة المشاركين في هذا المؤتمر، والإخوة الإعلاميين، على مشاركتهم وتعاونهم مع الرابطة. 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.